شهدت السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة في بنى المجتمع العراقي بعد الانتعاش المادي لطبقة الموظفين، مما حرى ببعض الموظفات من النساء إلى اختيار العنوسة بدلا من الزواج لما توفره لهن من حياة خالية من المسؤولية ومن سطوة الرجل.
تقول أزهار جابر، “لست بحاجة للزواج لأنه في مجتمعنا يستهلك المرأة ماديا ومعنويا، فمع واجباتها الزوجية والأسرية تكون ملزمة بمساعدة الزوج ماديا، وهذا ما ألمسه من خلال مشاهداتي لزميلاتي المتزوجات”.
وترى زينة حسن مدرّسة، “لم يعد الزوج هو الحماية والسند والوتد وباقي المسميات التي كنا نسمعها من أمهاتنا، بل ان أغلب الزيجات التي تكون الزوجة فيها موظفة تعاني من تحكم الزوج في حياتها ماديا ومعنويا، فأصبحت المرأة تبحث عن الاستقرار بعيدا عن الرجل”.
لم يكن المجتمع ليسمح للمرأة العراقية عموما والكربلائية على وجه التحديد باختيار العنوسة إلا لو تأخر زواجها لأسباب خارجة عن إرادتها كأن تكون محدودة الجمال، أو لأسباب أخرى، بينما صار المجتمع العراقي اليوم يسمح للمرأة باختيار حياتها الخاصة في ظل وجود وظائف تحتاج الى تفرغ المرأة.
وتجد فاطمة سعد بأن، “ إطلاع المرأة على العالم وارتباطها بوظائف لا تحتاج إلى ارتباطات أسرية جعلها ترجح كفة الحياة المهنية على الحياة الأسرية، مثل الوظائف المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني والإعلام والوظائف الإدارية”.
وفي المجتمع نماذج كثر لنساء اضطررن لطلب الطلاق لأسباب تخص الجانب الوظيفي أو الجانب المادي لأن الرجل العراقي لم يتقبل بعد فكرة المرأة القائدة، ومعنى القائدة ان تحتل منصبا إداريا مهما أو تعمل في مجال يتطلب منها الغياب عن المنزل لساعات طويلة، ولأجل هذا فضلت الكثير من النساء الاستغناء عن الزوج للظفر بحياة مستقرة ماديا ووظيفيا واجتماعيا.
ويعتبر عبد عون المسعودي (استاذ اختصاصي في علم النفس في جامعة كربلاء)، “بأن تطور المستوى الفكري والثقافي والمادي للمرأة العراقية وبقاء الرجل متمسكا بالاعراف، قاد المرأة للتفكير ببناء حياتها بعيدا عن الرجل، وبالرغم من ارتفاع معدلات الزواج في مجتمعنا، فهناك نساء لا يعتبرن الزواج من المهمات المسلم بها في حياتنا، ولكن لا يجب ألا يغيب عن المرأة حقيقة مهمة وهي أن مجتمعنا الشرقي يفرض وجود الرجل في حياة المرأة مهما حاولت الاستغناء عنه، والتفكير بالعنوسة الاختيارية خطر جدا”.
ويعزو الدكتور أسعد الإمارة (أستاذ في الإرشاد الأسري ورئيس قسم الاجتماع في جامعة واسط)، الأسباب الداعية إلى اختيار المرأة لعنوستها إلى، “اعتماد المرأة على نفسها ماديا وانفتاحها على العالم الخارجي وانخراطها في مجالات العمل التي تتطلب تفرغا كاملا، فضلا عن مناداة المنظمات الإنسانية بضرورة تحقيق حرية المرأة خارج إطار الزواج، والإطلاع على التجارب الفاشلة للزواج، كل تلك الأسباب دعت بعض النساء إلى تفضيل الحياة الفردية بعيدا عن الرجل، أو تأجيل فرصة الارتباط حتى يأتي الشريك المتفهم لعقلية تلك المرأة واهتماماتها، ومن بعض الحالات التي سمعت عنها مفاضلة المرأة للقب العانس على لقب المطلّقة نظرا لارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة”.
ويؤشر الإمارة إلى، أن “تلك الظاهرة تعتبر مؤشرا خطرا لمجتمع شرقي مثل مجتمعنا لا يفصل حياة المرأة عن الرجل ويعتبر وجوده اهمية قصوى في حياتها، ومع استمرار تطور الفكر المجتمعي وتطور المرأة ستزداد حالات العنوسة الاختيارية”.
ويدعو الدكتور الإمارة من جانبه إلى، “ضرورة اهتمام منظمات المجتمع المدني بتلك الظاهرة والتثقيف للزواج الناجح ومحاكاة الرجل والمرأة معا لتجاوز تلك الأزمة.
ميساء الهلالي