د. نبراس المعموري
انتشر مفهوم الهوية بشكل واسع، بعد منتصف القرن الماضي، في الولايات المتحدة الامريكية، الى جانب الطروحات الرائجة انذاك، وبالذات ما يتعلق بالاقليات ثقلها الناجم عن تعدد موجات الهجرة، وضعف الاحزاب اليسارية مؤسساتياً.
لم يتوقف الفلاسفة منذ سقراط عن البحث في ذات الآخر، وتطور البحث اكثر فاكثر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، واصبح البحث في الهوية الشخصية من قبل المفكرين امثال جون لوك في كيفية ايجاد حل للهوية الشخصية عن طريق ذاكرة الفرد نفسه، ومراجعته لذاته، وما اذا كان هو نفس الشخص منذ عشرين عاماً.
عملية مكاشفة ومصارحة للذات، تعكس مدى قوة الفرد في امتلاكه زمام حقيقة ذاته وهذا يأتي من بيئة حاضنة؛ لان يكون الفرد حقيقيا وفعالا، فالهوية الشخصية تنمو مع الحياة ترافقها ازمة قد تظهر مبكراً مع البلوغ او متأخرة، لاسيما في ظل مصاعب الحياة التي تشكل جزءاً من تصرفاتنا وسلوكنا، وقد تنعكس علينا سلبا وينتج عنها الحد من قدرات الفرد وتدمير للذات.
في مجتمعاتنا الشرقية خندق الازمة الذي يرافق نمو الهوية أطول بكثير فبيئتنا اعتادت ان تكون ذات طابع ابوي مهيمن على الاولاد بقصد او من دون قصد، لكنهم لا يعرفون حجم ما يترتب على هذا السلوك الذي يمكن اختزاله بعدم منح اطفالهم حق مشقة ان يحددوا هويتهم!
تتأرجح هويتنا سوسيولوجيا عن طريق نظريتين الاولى نظرية الادوار والثانية نظرية الزمرة المرجعية فتارة نلعب دوراً فردياً معيناً بمعزل عن الاخرين وتارة اخرى تلعب الزمرة التي يتماهى بها الفرد دوراً مميزاً فيستعير منها معاييره وقيمته حتى وان لم يكن عضواً مؤثراً فيها.
تعبر الهوية الشخصية عن نفسها بالانتماء الى زمرة، ولابد من الاشارة ان الهويات الجماعية تؤثر عندما يقودها فاعلون قادرون على وضع ستراتيجيات هوياتية تختلف عن بعضها بالهدف والتطبيق، مثل المتطرفين واعتمادهم هويات دينية واثنية واستقطابهم لاعداد كبيرة تحت مسمى الهوية الجماعية التي لا يمكن النظر اليها بانها حجة نقية او هدف انساني بقدر ما هي ستراتيجية عنفية ذات تمظهرات عدة.
للهوية الوطنية بعد جمالي لا يضاهيه جمال، إذا تحققت كما يجب ان تكون عليه لا شعارات فقط.
كل هذا ادى الى ظهور تعبيرات مثل: اعادت تشكيل الهويات او تعدد الهويات او ازمة الهوية وغيرها؛ فالتطور السريع الذي شهده العالم في ظل تكنلوجيا الاتصال والابتكار وحتى الاجتماع ادت الى ان تستسلم العلوم الانسانية والاجتماعية امام الهوية!
يبقى السؤال المحلق فوق المعطيات الواردة في هذا المقال، هو: اين هويتنا؟ فالعراق ومحيطه العربي لهما حصة كبيرة من هذا الاستفاهم بعد مخاض هز كيان الدولة والمجتمع متنقلاً بين مرحلة صهر الهويات الى غياب هوية الفرد والمجتمع، اللتين باتتا هويتين ملتبستين!!
إذن… متى نشهد ولادة الهوية؟