نبراس المعموري
الكتابة بواطن شعورنا وخليط افكارنا وخيالاتنا اللامنتهية ومرآة تفكيرنا.. تتجلى فيها مشاعر نستمدها من لغة الحوار بين عقلنا وذاتنا.. الكتابة نسيج إرهاق راودنا، متخارجا بالشكل الذي نحن تكون عليه صفحاتنا المكتوبة!
ينظر الى الكتابة في علم النفس، على انها احدى طرق العلاج، ويسميها الاختصاصيون (الاستشفاء بالكتابة) ببعديها الافقي والعمودي، رسائل مقاومة بطلها الكاتب نفسه تؤثر بمن يلتمس تعبيرا عما يشعر به هو ايضا.
مدرسة الكاتبة الفرنسية آني إرنو، تعد أوضح إنموذج لتجربة العلاج بالكتابة، فمن يقرا رواية “الاحتلال” يجد ان الكاتبة عبرت عن القصة بمنهجية علاجية تبدو غريبة لكنها واقعية في الوقت ذاته.
)الاحتلال) رواية قصيرة، لغتها مباشرة من دون لف ولا دوران تتجه الى عوالم نعيشها، لكن غالبا ما يخوننا التعبير عنها، ابحرت الكاتبة خلالها الى هدف جلي، هو الانفصال.. بمحض إرادتها.. عن الرجل الذي ارتبطت به؛ معللة ذلك بهدفها الاسمى وهو الحرية والاستمتاع بالحياة من دون آخر يشاركها أي شيء! طليقة تحلق اينما تشاء بعيدا عن اخذ الاذن والموافقة ومراعاة مشاعر شخص آخر يثلم حريتها ويشاطرها الوجود ولا يتحمل معها أرزاء العبودية.
تحققت الحرية التي حلمت بها (اني) و صارت تصول وتجول كيفما تشاء.. ترقص حروفا.. وترسم ثيابا.. وترتوي موسيقى في اية ساعة تشاء.. المهم انها حصلت على مبتغاها في ان تتحرر من قيود البيت التي رافقت طفولتها وزواجها.
الاحتلال عنوان اخر غير الحرية مفردتان متنافرتان، ولعل ارنو كانت تعي ما تكتب، لا سيما العنوان، فلماذا الاحتلال يا ارنو وانت تنعمين بالحرية؟ سؤال اجابت عليه الصفحات التالية من الرواية، فمجرد ان عرفت الكاتبة بان طليقها ارتبط بامراة اخرى انتابتها حالة اخرى، سيطرت على كل حواسها وحتى قلمها، وتحولت الحرية الى احتلال فكري سيطر على تصرفاتها لاحقا.. فقدان للتوزان خارج حدود المنطق.. المراة القوية الناضجة تحولت الى فتاة صغيرة ساذجة هيمن على تفكيرها كيف تراقب طليقها، والغيرة تقتلها وحالة من العشق والهيام والاشتياق لم تعرفها الا بعد ان دخلت امراة اخرى حياة رجل ارتبطت به مسبقا.
صارت تطرق باب الجيران لتستعلم الاخبار دخلت في مرحلة هيستيرية مارست دور الضرة بمفهومنا العربي، حتى وصل الامر بها ان تبحث عن طبيب نفسي! مارست طقوس غريبة عجيبة .. اعترفت ارنو في نهاية صفحاتها ان كل شئ فيها احتل، ولم يكن امامها سوى ان تبحث عن حل للتخلص من الاحتلال، فتشت في كل ادوات مقاومة الاحتلال فلم تجد امامها سوى الكتابة .. الكتابة بطريقة مختلفة تنزع ثورة الغليان االقابض على صدرها (احتلال امرأة لامرأة ) ، صارت تكتب مشاعرها ويومياتها وافكارها عاكسة همسا مسموعا وملموسا مشكلة هامات يملكها العقل ويسخرها طوع ارادته ، لم تشعر ارنو الا انها تحررت ولم تكتشف هذا الشئ؛ الا بعد ان اخذت تترجم افكارها بعيدا عن محتلتها (المراة الضرة) فاخذت تبحث في الجمال الذي يحققه النضج والحرية المدروسة والمستثمرة بما ينفع الخلق والخليقة ..
الاستشفاء كان بداية احتلال ارنو الا انه في النهاية تحول لرواية مكتوبة عٌدت ابرز مثال للاستشفاء بالكتابة .
شاهد أيضاً
منتدى الاعلاميات يعقد الاجتماع الرابع بشان الخطة الاعلامية في مقر هيئة الإعلام والاتصالات
ضمن انشطة منتدى الاعلاميات العراقيات بشان كتابة الخطة الاعلامية المرافقة لتنفيذ الخطة الوطنية الثانية لقرار …