نبراس المعموري
استوقفتني مشاهد مسلسل غرابيب سود بعد ان عكست واقع مجتمعاتنا التي دمرتها داعش بحجة الدين واقامة الدولة الاسلامية.. رغم الملاحظات التي دونتها على هذا المسلسل الا ان مشاهد العنف الجنسي التي مورست ضد النساء والاطفال كانت علامة الموسم في انتاجه الدرامي الرمضاني.
تذكرت وانا اتابع المسلسل شهادات الفتيات الايزيديات اللواتي حررن من داعش وهن يصفن كيف اجبرن على اعتناق الإسلام وبيعهن وشراءهن في أسواق العبيد واغتصابهن من قبل اكثر من ثلاث داعشي،واحساسهن بالمهانة جراء المعاملة الوحشية لهن، وشعورهن باكتئاب حاد لدرجة الرغبة في الانتحار.. علامات الرعب والخوف وعدم الثقة من الاخر، كانت ترتسم على وجوههن بل الاغرب من ذلك انهن اعتكفن وحاولن ان لايختلطن بمن كان موجود من ناشطات وناشطين؛ بل احداهن ابلغتني ان هناك ضحايا كثر ليس من الفتيات فقط بل حتى من الرجال ولا يعلنون عن ذلك نتيجة لشعورهم بالذنب والخجل، أو الخوف أو الحديث عن المحرمات المحيطة بهذا الموضوع ، وان بعض النساء لجأن الى طرق غير آمنة للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه الناتج عن الاغتصاب، والبعض منهن اما توفيت او تراجع وضعها الصحي.
الحكايات التي سمعناها لا تختلف عن تلك التي ظهرت في مسلسل غرابيب سود ولعل استخدام الاطفال جنسيا كان احد الملاحظات التي ركزن عليها وهن يتحدثن بمرارة ما تعرضن له .
ما يجعلني اكتب هي رحلة بث المسلسل مع عمليات التحرير الجارية، والاقتتال الحاصل في الموصل والرقة ، والمدن الاخرى، ومدى تجاوب المشاهد لما طرحه المسلسل ايجابا وسلبا وهنا علينا ان نميز بين نوعية المشاهدين والتي تختلف كلا حسب انتمائه وتوجهه وبيئته! رغم ان المسلسل انحاز للعنف القائم في سوريا على حساب الجرائم التي حصلت في الموصل !
فرحنا ونحن نسجل علامات الانتصار وتقهقر داعش ونهاية السرد الاسود في تاريخنا المعاصر بعد نزوح اكثر من 306,8223 شخصا، ارتكبت بحقهم أبشع جرائم الإبادة والتطهير العرقي والديني، وخاصة ضد النساء والفتيات، لكن للفرح والحزن تزاوج لا ينتهي، وما يجعلني اشخص هذه المعادلة، هو مصير النساء اللواتي عنفن والاطفال الذين استخدموا ابشع استخدام، فبحسب احصائيات رسمية، 6 آلاف و 900 بين امراة وطفل تم خطفهم من قبل ارهابيي داعش عند اجتياحهم الموصل و حتى الآن ، عاد منهم ألفين و760 امراة بعضهن هربن من أسر التنظيم، وأخريات تم انقاذهن مقابل مبالغ مالية ، واغلبهن مازلن يعانين من تبعات نفسية وجسدية خطيرة، وهنا لا بد ان نستفهم هل توجد خطة لمعالجة ضحايا داعش لإعادة بناء حياتهم ؟ وبالذات ممن تعرضوا للعنف الجنسي كتوفير الدعم الصحي والنفسي والاقتصادي وتقديم المساعدة لخلق موارد جديدة و رعاية اللاجئين من الأرامل وأطفالهن كتنظيم الدراسة للأطفال والاهتمام بالاحتياجات الأساسية لكبار السن.
يؤدي العنف الجنسي إلى صدمة جسدية ونفسية شديدة، وكذلك إلى الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، وأحيانا إلى الوفاة. وبالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تتضاعف معاناة الضحايا: فإلى جانب ما يعانونه من إصابات وصدمات نفسية خطرة وطويلة الأمد، فهم يوصمون بالعار ويصبحون منبوذين داخل عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية .
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يضع الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى ضمن قائمة جرائم الحرب، وقائمة الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية عند ارتكابها، كجزء من اعتداء واسع النطاق أو ممنهج ضد أي سكان مدنيين. كما يترتب على أشكال العنف الجنسي انتهاك للقانون الدولي الإنساني و يعد مسؤولية جنائية فردية وينبغي التحقيق فيها. وتلتزم جميع الدول وفق القانون الدولي بتجريم تلك الانتهاكات بموجب قوانينها الوطنية والتحقيق فيها ومحاكمة مرتكبي أي شكل من أشكال العنف الجنسي بشكل فعال.
المسؤولية مشتركة دوليا ووطنيا وعلى الطرفين الاتفاق على عمل مشترك يضمن انقاذ ضحايا العنف الجنسي نتيجة اعمال داعش الارهابية فلا وقت للتهاون او الركون، فيمكن للتحرير ان ينسف ان لم نسعف تلك الارواح التي دمرت نفسيا وجسديا ، وان لا نجعلهم وقود من نوع اخر .. نحتاج المزيد من الانتاج الدرامي والاعلامي لغرض توعية المجتمع ونقل الممارسات البشعة التي نفذتها داعش وكيفية التعايش من جديد ونبذ لغة التطرف والعنف والتمييز .. غرابيب سود كانت البداية.