اعداد / د. مصدق عادل طالب
مدرس القانون الدستوري والقضاء الدستوري/كلية القانون/ جامعة بغداد
المقدمة
يعد موضوع توفير الحماية القانونية للمدافعين عن حقوق الانسان من المواضيع المتجددة، وذلك لارتباطها بتعدد وتنوع المخاطر التي تتعرض لها هذه الفئة من العاملين في مجال حقوق الانسان يستوي في ذلك وقت السلم او وقت الحرب، وعلى الرغم من اعتناق دستور جمهورية العراق لعام 2005 العديد من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الانسان وحرياته الا انه مما يؤسف له عدم افراد أي نص لتوفير الحماية الدستورية للقائمين على حماية حقوق الانسان وحرياته.
وولم يقتصر الامر عند هذا الحد فحسب، بل تعداه الامر الى التشريعات العراقية، يستوي في ذلك ان تكون قانون او نظام او تعليمات.
وتتمثل اول المخاطر التي تواجهه هذه الفئة في توفير الحماية الشخصية او الحفاظ على امن وسلامة المدافع عن حقوق الانسان.
فيما تتمثل ثاني المخاطر التي يواجهونها في مواجهة العنف السياسي من بعض سلطات الدولة.
اما ثالث المخطر فتتمثل في مصادر حرية لتعبير عن الراي وحرية التجمع والتظاهر السلمي توجه اخرها بمحاولة تمرير مشروع قانون حرية التعبير قبل أيام داخل أروقة مجلس النواب
ومن هذا المنطلق وإزاء غياب الحماية الدستورية للمدافعين عن حقوق الانسان وضعف الحماية القانونية لهذه الفئة لذا سنتناول في هذه الورقة البحث عن صور الحماية القانونية المقررة لهم في التشريعات الأخرى.
ومن اجل الوقوف على البنى التشريعية المتعلقة بالمدافعات عن حقوق الانسان والحريات الأساسية فانه ينبغي لنا ربطها بالجهود الدولية المبذولة في هذا النطاق من اجل الوصول الى الحالة المثالية لحماية حقوق هذه الفئة وهو الامر الذي يوجب تقسيم هذه الدراسة الى المحاور الاتية:
المحور الأول
نظرة قانونية تحليلية في اعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان
ايمانا من الأمم المتحدة بالدور الفعال الذي يمكن أن يؤديه الافراد والجماعات والتنظيمات على حد سواء في تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، و تعميق ممارستها والوعي بها على الصعيدين الوطني والدولي، فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان رقم 53/144 المؤرخ في 9 ديسمبر 1998 المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد، والجماعات، وهيئات المجتمع، في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً، أو كما أصطلح على تسميته بـ(إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان)، الذي حدد نطاق إلتزامات الدولة تجاه هذه الفئة.
وعلى الرغم مما يتراءى لنا لأول وهلة ان الإعلان المذكور لايتمتع بالقوة القانونية الملزمة التي تتمتع بها المعاهدات والعهود الدولية لحقوق الانسان الأخرى، الا ان هذا القول لا يحول دون إمكانية القول بتمتع هذه الإعلان بقيمة أدبية توازي قيمة المواثيق الدولية الأخرى الملزمة كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك لاحتواء الاعلان على سلسلة من المبادئ والحقوق التي تستند إلى معايير حقوق الإنسان المنصوص عليها في الصكوك الدولية الأخرى الملزمة قانونا، فضلاً عن اعتماد الإعلان بتوافق الآراء في الجمعية العامة، ومن ثم فإنه يفرض التزاما على الدول لتنفيذه.
وبعبارة أخرى فان احتواء الإعلان على الحقوق ذاتها المعتنقة في المواثيق والعهود الدولية الأخرى يجعل هذا الإعلان يستمد قوته من طبيعة ومضمون الحقوق التي احتواها التي تصنف على انها حقوقاً ملزمة.
ومن استقراء المادة (1) من الإعلان نجد أنها عرفت المدافع عن حقوق الانسان بانه (كل شخص بمفرده أو بالاشتراك مع غيره يدعو ويسعى الى حماية واعمال حقوق الانسان والحريات الاساسية على الصعيدين الوطني والدولي).
فيتضح من النص تنوع أصناف المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ يشمل من يدعو لإصلاح القوانين التي تنظم الحقوق والحريات، والشخص الذي يرصد المعلومات المتعلقة بإنتهاكات حقوق الإنسان، والأشخاص الذين يقومون بدعم ومساعدة ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان، و الأشخاص العاملون في مجال التعليم والتدريب في كل ماله علاقة بتطبيق القانون أو تنفيذه.
اما الحقوق التي كفلها الإعلان فتتمثل بالاتي:
- حق التجمع والتنظيم[1].
- حق الحصول على المعلومات والإحتفاظ بها ونشرها[2]
- حق الاتصال دون عائق الى الهيئات الدولية المختصة[3].
وفضلاً عن ذلك فانه من امعان النظر في نصوص هذا الإعلان نجده يفرض عدة التزامات على الدولة، يستوي في ذلك ان تكون في مواجهة المدافعين عن حقوق الانسان او في مواجهة الوكالات الدولية المختصة.
ويمكن اجمال واجب الدولة تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ تتنوع صور مسؤولية الدولة عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان ويمكن اجمالها بالاتي:
- التأكد من تمتع جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية بجميع الحقوق والحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها في الممارسة العملية.
- اتخاذ الخطوات التشريعية والإدارية الضرورية واللازمة لضمان التنفيذ الفعال للحقوق والحريات.
- توفير سبل الانصاف الفعالة للأشخاص من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
- إجراء تحقيقات سريعة ومحايدة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان.
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية الجميع من أي عنف أو تهديد أو انتقام أو تمييز ضار أو ضغط أو أي إجراء تعسفي آخر نتيجة لممارسته أو ممارستها المشروعة للحقوق المشار إليها في هذا الإعلان.
- تعزيز فهم الجمهور للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
- ضمان ودعم إنشاء وتطوير مؤسسات وطنية مستقلة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، مثل أمناء المظالم أو لجان حقوق الإنسان.
- تعزيز وتسهيل تدريس حقوق الإنسان في جميع مستويات التعليم النظامي والتدريب المهني.
اما فيما يتعلق بالرقابة الدولية على حالة المدافعين عن حقوق الإنسان فيتجلى ذلك من خلال تعيين الممثل الخاص بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، والذي اصبح يعرف لاحقا بالمقرر الخاص، والذي تتمثل مهامه في الاتصال مع المدافعين عن حقوق الانسان من خلال تلقي المعلومات المتعلقة بتعرضهم للانتهاك.
المحور الثاني
مدى نجاعة او ملائمة البنى الدستورية العراقية في توفير الحماية القانونية للمدافعين عن حقوق الانسان
من استقراء دستور جمهورية العراق لعام 2005 نجد انه افرد المادة (8) منه لمعالجة مسالة المعاهدات والمواثيق الدولية بالنص على احترام العراق للالتزامات الدولية، ومن ثم فان العراق غير ملزم كقاعدة عامة بالالتزام بالاحكام الواردة في اعلان المدافعين عن حقوق الانسان وذلك لعدم انضمام العراق الى هذا الإعلان.
وعلى الرغم مما تقدم الا اننا نرى خلاف الراي المذكور أعلاه، اذ ان الأصل في حقوق الانسان انها أصبحت عالمية، ومن ثم فإنَّ التزام العراق بالاحكام الواردة في هذا الإعلان لا ينبع من ذاتية وقوة نصوص الإعلان فقط، وانما ينبع من مدى انسجام وتوافق هذه الاحكام مع نصوص المواثيق الدولية كالاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين وغيرهما.
وفضلاً عما تقدم فانه على الرغم من معالجة العديد من نصوص الدستور العراقي للحقوق والحريات في المواد (14-46) منه، ومما يؤاخذ على هذه النصوص انها تارة تستخدم جمع المذكر السالم بالقول (العراقيات) ولم ترد فيها إشارات واضحة الى النساء أو المراة الا في بعض المواضع المحددة، وهو الامر الذي يدلل على وجود تفرقة بين الرجل والمراة في مجال النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق المراة اذ ان الأصل يتمثل في وجوب استخدام الصائغ الدستوري عبارة المفرد للدلالة على المذكر والمؤنث على حد سواء في حين ان استخدام جمع المذكر السالم في الصياغة ينطوي على دلالات استبعاد المراة من تطبيق بعض النصوص الدستورية.
ولم يقتصر الامر عند هذا الحد فحسب، بل نجد انه لم ترد إشارات صريحة في نصوص الدستور بصورة عامة وباب الحقوق والحريات لحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان والمدافعات عن حقوق المراة بصورة خاصة، وعلى الرغم من ذلك الا اننا نذهب الى خلاف ما تقدم، إذ لا يمكن الاخذ بالراي المذكور على اطلاقه لعدة أسباب، أهمها ان صياغة بعض النصوص الدستورية جاءت بصيغة (تكفل الدولة…)، ومن ثم تعد صيغة وجوبية يفهم منها وجوب تكفل الدولة بحماية هذه الحقوق والحريات بالنسبة الى الفرد او المدافعين عن الحقوق والحريات على حد سواء.
ويتمثل القيد الوحيد على ممارسة الحقوق والحريات وفق ما نصت عليه المادة (46) من الدستور في وجوب المحافظة على النظام العام والاداب، وبعبارة أخرى فانه بالإمكان توسيع نطاق الحماية المقررة للحقوق والحريات بصورة ضمنية من خلال توسيع نطاق تطبيق النص وشموليته.
هذا من جهة ومن جهة أخرى تتمثل صور الحماية الدستورية الأخرى غير المباشرة للمدافعين عن حقوق المراة في نسبة الكوتا النسائية التي عالجتها احكام المادة (49) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، إذ مع الإقرار بان نسبة (25%) من مقاعد مجلس النواب المخصصة للنساء تنطوي على حماية ضمنية لحقوق المراة، الا انه بالمقابل فان هذه النسبة تشكل انتكاسة لحماية حقوق المراة، ومن ثم يتوجب أنْ يصار الى الغاء هذه النسبة لغرض ضمان حصول المراة على نسبة مساوية للرجل في الانتخابات العامة والمحلية.
والى جانب ذلك تجدر الإشارة الى نوع اخر من الحماية العامة غير المباشرة التي افردها دستور جمهورية العراق لحماية حقوق المدافعين عن حقوق النسان وحقوق المراة والذي يتمثل في نص المادة (2) من الدستور بانه (ثانياً/ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور)، ومن ثم فان عدم جواز تشريع أي قانون مخالف او ينتهك حقوق الانسان وحرياته ينطوي ضمنياً على توفير حماية مباشرة للحقوق والحريات بصورة عامة وحقوق المدافعين عن حقوق الانسان بصورة خاصة، من خلال أي وسيلة تستخدم للدفاع عن الحقوق والحريات.
نخلص مما تقدم الى ضعف مستوى الحماية المقررة في دستور جمهورية العراق لعام 2005 المتعلقة بحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المراة بصورة خاصة، وقد تجلى ذلك صراحة في عدم افراد نصوص صريحة لحماية هذه الفئة، فضلاً عن وجود العديد من النصوص التي يمكن اعتبارها غطاء غير مباشر في حماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان، وهو الامر الذي يستوجب اجراء تعديل دستوري ينص صراحة على تخصيص نص لحماية حقوق المدافعات عن حقوق المراة، فضلاً عن الغاء الكوتا النسائية لضمان المحافظة على مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (14) من الدستور.
كما ندعو مجلس النواب الى تفعيل نص المادة (2) من الدستور من خلال اصدار قانون حماية المدافعين عن حقوق الانسان باعتباره الجهاز الذي سيكلف بمتابعة هذه التشريعات وحماية الحقوق والحريات في آن واحد.
المحور الثالث
مدى نجاعة المعالجة التشريعية لحقوق المدافعين عن حقوق الانسان
القاعدة العامة تتمثل في تنوع التشريعات التي تصدت للحقوق والحريات بصورة عامة، إذ يتمثل أولها في قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان، فيما يتمثل ثانيها في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، اما ثالثها فيتمثل في قانون المنظمات غير الحكومية ، اما رابعها فيتمثل في مشروع قانون حرية التعبير عن الري والتجمع والتظاهر السلمي،
ولغرض الوقوف على احكام هذه القوانين وبيان ما احتوته من حماية قانونية لحقوق المدافعين عن حقوق الانسان وحقوق المراة لذا سنتناول ذلك تباعاً كالاتي:
اولاً: قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان رقم (53) لسنة 2008
من استقراء نصوص هذا القانون نجد ان المادة (3) منه تنص على ان (تهدف المفوضية إلى:أولاً: ضمان حماية وتعزيز احترام حقوق الإنسان في العراق. ثانياً: حماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل العراق. ثالثاً: ترسيخ وتنمية وتطوير قيم وثقافة حقوق الإنسان).
وتقوم المفوضية بهذه الأهداف من خلال المهام والواجبات التي حددتها المادة (4) من القانون التي تنص على انه (على المفوضية : خامساً:- التعاون والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان في العراق والتواصل مع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية المستقلة وغير الحكومية بالشكل الذي يحقق أهداف المفوضية).
فيتضح من النص أعلاه أن حلقة الوصل في حماية حقوق النسان تتمثل في مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية على حد سواء.
وتقوم المفوضية بهذه المهام والواجبات وفقاً للسلطات المحددة في المادة (5) من قانون المفوضية الذي اوجب على المفوضية الاتي:
أولاً:- تلقي الشكاوى من الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني عن الانتهاكات السابقة واللاحقة لنفاذ هذا القانون مع الحفاظ على السرية التامة لأسماء مقدميها.
ثانياً:- القيام بالتحقيقات الأولية عن انتهاكات حقوق الإنسان المبنية على المعلومات.
ثالثاً:- التأكد من صحة الشكاوى الواردة إلى المفوضية وإجراء التحقيقات الأولية إذا اقتضى الأمر.
رابعاً:- تحريك الدعاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وإحالتها إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية وإشعار المفوضية بالنتائج.
خامساً:- القيام بزيارات للسجون ومراكز الإصلاح الاجتماعي والمواقف وجميع الأماكن الأخرى دون الحاجة إلى إذن مسبق من الجهات المذكورة واللقاء مع المحكومين والموقوفين وتثبيت حالات خرق حقوق الإنسان وإبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
فيتضح من النصوص المذكورة أعلاه انه على الرغم من عدم وجود النصوص القانونية المباشرة والصريحة التي تعالج حماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان الا ان هذه السلطات بالإمكان تطبيقها على المدافعين عن حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المراة بصورة خاصة في ضوء العمومية والاطلاق اللذان اتسم بهما النص، إذ ان القاعدة العامة تتمثل في ان النص المطلق يجري على اطلاقه طالما لم يرد نص بالمنع، وطالما لا يوجد نصو قانوني يمنع من تطبيق هذه النصوص على المدافعين عن حقوق الانسان لذا فبالامكان تطبيقها.
ثانياً: قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969
بالرجوع الى قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 نجد انه لم يحتوي على معالجة صريحة وواضحة لحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان، إذ إن هذا القانون يطبق على الأشخاص الموجودين على أراضي الجمهورية العراقية، ومن ثم يطبق قانون العقوبات على جريمة حصلت طالما مست المصلحة المحمية كحياة الانسان وجسمه وكرامته بمعزل عن الصفة التي يتمتع بها كونه مدافع عن حقوق الانسان من عدمه.
وعلى الرغم من ذلك الا اننا نرى انه بالإمكان توسيع نطاق الحماية القانونية المقررة لحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان من خلال الاستناد على العديد من النصوص التي جرمت الامتناع عن إغاثة الانسان المعرض للخطر، إذ تنص المادة (247) من قانون العقوبات على انه (يُعاقب بالحبس أو الغرامة كل من كان ملزماً قانوناً بإخبار أحد المكلفين بخدمة عامة عن أمر ما أو إخباره عن أمور معلومة له فأمتنع قصداً عن الإخبار بالكيفية المطلوبة وفي الوقت الواجب قانوناً. وكل مكلف بخدمة عامة منوط به البحث عن الجرائم أو ضبطها أهمل الإخبار عن جريمة أتصلت بعلمه وذلك كله ما لم يكن رفع الدعوى معلقا ًعلى شكوى أو كان الجاني زوجاً للمكلف بالخدمة العامة أو من أصوله أو فروعه أو أخوته أو أخواته أو من في منزلة هؤلاء من الأقارب بحكم المصاهرة).
وعلى الرغم مما تقدم الا اننا نرى ان مستوى الحماية المباشرة لحقوق المدافعين عن حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المراة بصورة خاصة تستوجب اصدار قانون خاص من مجلس النواب يعالج حقوق هذه الفئة وعلى غرار قانون حماية الصحفيين والأطباء وغيرهم من اجل إرساء مفاهيم هذه الحقوق ودلالالتها في العراق باعتبارها من معايير التشريع الذي نصت عليه المادة (2) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي تنص على انه (ثانياً/ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور)، ومن ثم فان تشريع قانون حماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان يشكل التفسير المقابل للنص الدستوري المتضمن عدم جواز اصدار أي تشريع مخالف للحقوق والحريات، إذ ان تشريع هذا القانون من شانه توفير غطاء قانوني او جهة تتولى التصدي لكل محاولات اصدار أي قانون مخالف للحقوق والحريات الواردة في دستور جمهورية العراق لعام 2005.
ثالثاً: قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010
يعد هذا القانون من اهم القوانين ذات الصلة بالنشاطات غير الحكومية والتي من بينها تأسيس منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، وعلى الرغم من ذلك نجد أنَّ هذا القانون لم يفرد حماية ذاتية مستقلة لحماية منظمات واتحادات الدفاع عن حقوق الانسان وحقوق المراة بصورة خاصة، إذ جاء من بين اهداف هذا القانون في المادة (2) منه انه يهدف الى تعزيز حرية المواطنين في تأسيس المنظمات غير الحكومية والانضمام اليها، ومن ثم فلا توجد أي نصوص مباشرة وصريحة توفر الحماية القانونية للمدافعين عن حقوق الانسان وحقوق المراة في هذا القانون.
رابعاً: مشروع قانون حرية التعبير عن الراي والاجتماع والتظاهر السلمي لعام 2017
يعد هذا القانون من اهم القوانين ذات الصلة بحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان وحرياته، كونه يستوعب غالبية الأنشطة المتعلقة بهذه الفئة، وعلى الرغم من قيام مجلس النواب بالشروع في قرءة هذا المشروع لمرة ثانية في 10/5/2017 الا انه مما يؤسف له ان امعان النظر في هذا المشروع يظهر لنا بما لا يقبل الشك او التاويل انه لا يحقق أي ضمانة لممارسة حرية التعبير عن الراي وحرية الاجتماع وحرية التظاهر السلمي، إذ تتمثل أول أوجه الانتقاد في وجوب تجزئة مواضيع هذا القانون ضمن قانونين او ثلاثة قوانين وليس إصدارها ضمن قانون واحد، وذلك لورد النص الدستوري الذي يعالج هذه الحريات في بنود متفرقة من المادة (38) من الدستور.
فضلاً عن ان امعان النظر في نصوص هذا القانون يظهر أنه جرد حرية التعبير عن الراي من مضمونها والغايات التي من اجلها منحت هذه الحرية، ويمكن القول ان هذا المشروع جاء ليضفي المشروعية القانونية على استخدام السلطة التنفيذية او الحكومة لمظاهر القوة المسلحة في قمع المتظاهرين والمعبرين عن الحريات العامة يستوي في ذلك ان يكونوا من المواطنين او المدافعين عن حقوق الانسان، وبالأخص فيما يتعلق باستحصال الترخيص وغيرها من القيود الأخرى على الحريات.
وهو الامر الذي يوجب التريث في اصدار مشروع هذا القانون وتعديل صياغته التشريعية قبل التصويت عليه اذا ما علمنا وجود العديد من عيوب الصياغة التشريعية فيه، فضلاً عن افتقاره الى تقنية الأثر التشريعي او الجدوى القانونية وتاثير هذا القانون على شرائح المجتمع ومصالحهم المحمية دستورياً.
نخلص مما تقدم الى عدم توفير هذا القانون أي حماية قانونية مباشرة او غير مباشرة للمدافعين عن حقوق الانسان وبالأخص حريات التعبير عن الري والتظاهر والاجتماع، إذ يشكل انتكاسة ورجوع عن مستوى الحماية المقرر في المواثيق الدولية التي صادق عليها العراق.
الخاتمة
بعد الانتهاء من دراسة مدى نجاعة التشريعات العراقية في توفير متطلبات الحماية القانونية للمدافعات عن حقوق الانسان فقد توصلنا الى العديد من النتائج والتوصيات التي يمكن اجمالها بالاتي:
أولاً: النتائج
- على الرغم من ايراد دستور جمهورية العراق لعام 2005 العديد من النصوص لمعالجة موضوع الحقوق والحريات بالشكل لذي حاكى فيه دساتير الدول المتقدمة الا انه بالمقابل لم يفرد أي نص لمعالجة حقوق المدافعين عن حقوق الانسان وحرياته، ومن ثم تتمثل القاعدة العامة في غياب الأساس أو الغطاء الدستوري الصريح والمباشر لحماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان في العراق.
- اتضح لنا ان اعلان حقوق المدافعين عن حقوق الانسان لا يتمتع الا بقيمة أدبية وذلك لعدم انضمام العراق الى هذا الإعلان، ومن ثم يتمتع بقيمة أدبية وليس قيمة قانونية ملزمة، وهذه القيمة مستمدة ليس من نصوص الإعلان وانما مستمدة من قيمة الاعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والتي صادق عليها العراق.
- ان مستوى الحماية المقرر بموجب نصوص التشريعات العراقية تعد ضعيفة ومتردية، يستوي في ذلك بالنسبة الى قانون العقوبات او قانون المنظمات غير الحكومية او مشروع قانون حرية التعبير عن الراي وغيرها من القوانين النافذة، وهو الامر الذي يوجب التدخل من قبل مجلس النواب لتعديل هذه القوانين المذكور فضلاً عن اصدار قانون خاص لحماية حقوق المدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان وحقوق المراة على قدم المساواة.
ثانياً: التوصيات
- ندعو لجنة التعديلات الدستورية المؤقتة المنصوص عليها في المادة (142) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الى إضافة نص الى نصوص الدستور يتضمن الحماية الدستورية الصريحة لحقوق المدافعين عن حقوق الانسان وحرياته، وفي حالة تعذر ذلك يصار إلى توسيع نطاق الحماية الدستورية المقررة للامومة لتشمل القائمين بمهمة الحماية القانونية والرعاية.
- ندعو مجلس الوزراء الى اعداد دراسة عن إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان تمهيداً لاعداد مشروع قانون انضمام العراق الى هذا الإعلان على أساس ان الانضمام الى هذا الإعلان يأتي مكملا لانضمام العراق الى الاتفاقيات والمواثيق والعهود المتعلقة بحقوق الانسان.
- ندعو مجلس الوزراء الى اصدار قانون انضمام العراق الى اعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان كي يصبح جزء من المنظومة التشريعية العراقية.
- ندعو وزارة حقوق الانسان ومفوضية حقوق الانسان وكل أجهزة انفاذ القانون من المحاكم ودوائر الإصلاح الى تسهيل مهمة تزويد منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المراة بصورة خاصة بكل المعلومات والبيانات اللازمة للقيام بعملهم على اتم وجه.
- ندعو مفوضية حقوق الانسان وبالتنسيق مع مجلس الوزراء الى اعداد اعلان خاص بالمدافعات عن حقوق المراة في العراق ليكون العراق سباقاً في هذا المجال على الصعيد العربي والإقليمي، أما في حالة عدم وجود رغبة سياسية موحدة في اصدار إعلان حماية حقوق المدافعات عن حقوق المراة فاننا ندعو الى الإسراع في اصدار القوانين الأخرى التي تضمن حقوق النساء وتضمينها نصوص تعالج حقوق هذه المدافعات كما هو الحال في قانون الاتحاد العام لنساء العراق وقانون حماية الطفولة والأمومة وغيرها من القوانين الأخرى.
- ندعو الى تعديل قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان بالشكل الذي يتضمن معالجات واشارات صريحة لحقوق المدافعات عن حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المراة بصورة خاصة، وبيان الاليات القانونية للدفاع عن هذه الحقوق وحمايتها بصورة صريحة وواضحة.
- ندعو مجلس النواب الى الشروع في اصدار قانون خاص يطلق عليه (قانون المدافعين عن حقوق الانسان) ليكون أنموذجاً يحتذى به في المحيط العربي والإقليمي وعلى غرار قانون حماية حقوق الصحفيين وحماية حقوق الأطباء، ويتضمن هذا القانون حقوق وحريات المدافعين عن حقوق الانسان، فضلاً عن رسم خارطة الطريق المتعلقة بالإجراءات الواجب اتباعها عند حصول انتهاك لحقوق هذه الفئة.
د. مصدق عادل طالب
[1] – تنص المادة (5) من الإعلان على أنه (لغرض تعزيز وحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية ، يكون لكل شخص الحق ، بمفرده وبالاشتراك مع غيره ، على الصعيدين الوطني والدولي ، في :أ- الالتقاء او التجمع سلمياً ؛ب- تشكيل منظمات او جمعيات او رابطات او جماعات والانضمام اليها والاشتراك فيها ؛ج- الاتصال بالمنظمات غير الحكومية او بالمنظمات الحكومية الدولية) .
[2] – تنص المادة (6) من الإعلان على أنه (لكل شخص الحق ، بمفرده وبالاشتراك مع غيره في :أ- معرفة المعلومات المتعلقة بجميع حقوق الانسان والحريات الاساسية، وطلبها، والحصول عليها، وتلقيها، والاحتفاظ بها، بما في ذلك الاطلاع على المعلومات المتعلقة بكيفية إدماج هذه الحقوق والحريات في النظم التشريعية او القضائية او الادارية المحلية؛ ب- حرية نشر الآراء والمعلومات والمعارف المتعلقة بجميع حقوق الانسان والحريات الاساسية او نقلها الى الآخرين واشاعتها بينهم ، وفق ما تنص عليه الصكوك المتعلقة بحقوق الانسان وغيرها من الصكوك الدولية المنطبقة؛ج- دراسة ومناقشة وتكوين واعتناق الآراء بشأن مراعاة جميع حقوق الانسان والحريات الاساسية في مجال القانون وفي التطبيق على السواء ، وتوجيه انتباه الجمهور الى هذه الامور بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل المناسبة).
[3] – تنص المادة (9) من الإعلان على ان(1- لكل شخص ، لدى ممارسة حقوق الانسان والحريات الاساسية ، بما في ذلك تعزيز حقوق الانسان وحمايتها على النحو المشار اليه في هذا الاعلان ، الحق ، بمفرده وبالاشتراك مع غيره في الافادة من أي سبيل انتصاف فعال وفي الحماية في حالة انتهاك هذه الحقوق .2- وتحقيقاً لهذه الغاية يكون لكل شخص يدعي ان حقوقه او حرياته قد انتهكت ، الحق اما بنفسه او عن طريق تمثيل معتمد قانونياً ، في تقديم شكوى الى هيئة قضائية او هيئة اخرى مستقلة ونزيهة ومختصة منشأة بموجب القانون ، على ان تنظر هذه الهيئة في الشكوى على وجه السرعة في جلسة علنية ، والحصول من تلك الهيئة ، وفقا للقانون على قرار بالجبر ، بما في ذلك أي تعويض مستحق ، حيثما كان هناك انتهاك لحقوق ذلك الشخص او حرياته ، فضلا عن انفاذ القرار والحكم النهائيين ، وذلك كله دون أي تأخير لا موجب له . 3- وتحقيقا للغاية نفسها ، يكون لكل شخص بمفرده وبالاشتراك مع غيره ، الحق ضمن امور اخرى في :أ- ان يشكو من سياسات الموظفين الرسميين والهيئات الحكومية بخصوص انتهاكات حقوق الانسان والحريات الاساسية وان يقدم شكواه في شكل عريضة او بطريقة اخرى مناسبة الى السلطات المحلية القضائية او الادارية او التشريعية المختصة او الى أي سلطة مختصة اخرى ينص عليها النظام القانوني للدولة . ويجب على هذه السلطات ان تصدر قرارها في الشكوى دون أي تأخير لا موجب له ؛ ب- ان يشهد الجلسات العلنية والاجراءات والمحاكمات ، لتكوين رأي عن امتثالها للقانون الوطني وللالتزامات والتعهدات الدولية المنطبقة ؛ج- ان يعرض ويقدم في سبيل الدفاع عن حقوق الانسان والحريات الاساسية مساعدات قانونية كفؤة مهنيا او اية مشورة او مساعدة اخرى ذات صلة .4- وتحقيقاً للغاية نفسها يحق لكل شخص ، بمفرده وبالاشتراك مع غيره وفقاً للصكوك والاجراءات الدولية المنطبقة . الوصول دون عائق الى الهيئات الدولية المختصة اختصاصاً عاماً او محددا بتلقي ودراسة البلاغات المتعلقة بمسائل حقوق الانسان والحريات الاساسية ، والاتصال بهذه الهيئات .5- تتولى الدولة اجراء تحقيق سريع ونزيها او تحرص على اجراء تحقيق اذا كان هناك سبب معقول للاعتقاد بأن انتهاكا لحقوق الانسان والحريات الاساسية قد حدث في أي اقليم خاضع لولايتها) .